نستبين الحدث، نفتش عن حقيقته، نرقم ونكمم ونحلل مخرجاته... الحدث أولاً بأول
اتصل بنا خريطة الموقع من نحن رأيك يهمنا شارك الموقع
أدوات تفاعلية




الزراعة في بلد السواد... الى أين؟ العتبات المقدسة تعيد ملامح الزراعة في العراق
يسود القطاع الزراعي في العراق نمطين زراعيين، الأول منها هو نمط محاصيل البستنة والمتمثل بأشجار النخيل واشجار الفاكهة، وهو نمط زراعي مهم، كونه رافدا غذائيا ضروريا للفرد العراقي، وقد كان هذا النمط سائد خلال القرن الماضي، وتصدر العراق دول المنطقة في أعداد نخيله، إذ وصل عديدها الى أكثر من (30) مليون نخلة، حتى وصف العراق بأنه "أكبر غابة" لأشجار النخيل، وهو ما جعل منه البلد الأول عالميا من ناحية إنتاج التمور وتصديرها، وذلك حسب احصائيات الجهاز المركزي لعام (2006)، إلا أن هذا المستوى قد بدأ بالنزول، وانخفضت أعداد النخيل فيه الى ارقام مرعبة، كنتيجة للحروب، والإهمال الزراعي، فضلا عن المشكلة الأهم، والتي تكمن في تجريف الأراضي الزراعية وتصييرها سكنية.
أما النمط الزراعي الثاني، فهو زراعة المحاصيل الحقلية (حنطة وشعير)، وتعود بدايات زراعتهما الى عام 1880م، وقد شكلت في أوقات كثيرة، غلة مهمة تشكل السلة الغذائية لدول المنطقة بعد ان كانت تستورده من العراق، الا ان منحنيات زراعة هذه المحاصيل قد أخذت بالانحدار بداعي ارتفاع الملوحة مرة، وشحة الامطار في ثانية، وارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنه بالأسعار التنافسية للمنتج المستورد من الخارج في مرة ثالثة، مع افتقار البلد لسياسة زراعية تشجيعية واضحة.
إما الزراعية الحيوانية أو ما يعبر عنها بزراعة محاصيل العلف الأخضر ومنها الجت، فقد بينت إحصائية الجهاز الإحصاء المركزي لعام (2010) م أن إنتاجية العراق منه وصلت الى (907) ألف طن أي نسبة (64,5) % من مجموع انتاج العلف ككل.
وقد رصدت مجساتنا العلمية، من خلال متابعات رقمية مرة، وميدانية في أخرى، رصدت افتقار العراق للسياسة الزراعية المدعوة، وما مر به من متغيرات في هيكلية الاقتصاد القومي، بالاعتماد على الاقتصاد الأحادي من خلال النفط، فقد أحدث ذلك تغيرا جوهريا في تركيبة الأنشطة الزراعية، وأشر مؤشرا خطيرا في انخفاض ـ إن لم نقل تهاوي ـ مستوى الإنتاج الزراعي، ولنأخذ مثلا انتاج محاصيل الحبوب، إذ انخفض مستوى انتاج القمح لسنة (2018) الى (2.178) ألف طن للمحافظات المشمولة للموسم الشتوي بمساحة مزروعة (4,154,000) دونم حسب بينات مديرية الإحصاء الزراعي التي اطلع عليها مركز الكفيل للمعلومات والدراسات الإحصائية، وبمستوى إنتاجية بلغت (2.286.311) طن ومساحة مزروعة (6.054.103) دونم لعام (2006)  ومن ذلك نلاحظ مدى الفرق بين المساحات المزروعة والنسب الإنتاجية لعام (2006) الى (2018)، والانخفاض الذي وصل (20)% من المساحات المزروعة.
وكتحليل لهذا الرصد، فأن استمرار انخفاض المساحات الزراعية في العراق، بغض النظر عن أسبابه ـ وانحدار منحنيات الإنتاج الزراعي فيه، سينعكس سلبيا على الواقع الاقتصادي، ومن خلاله على الواقع الاجتماعي، من خلال رفعه لمؤشرات البطالة والنقص في الاكتفاء الذاتي وهو ما يحتم على القائمين على الملف الزراعي في العراق من جهة، وعلى راسمي السياسية الاقتصادية فيه، ضرورة معالجة هذا الملف من خلال تشجيع الزراعة ودعمها، وحسر حالة التصحر التي يعاني منه العراق وجعل الزراعة رافدا اقتصاديا موهما، يوازيا، إن لم نقل يفوق، النفط، وبما لا يجعل من الاقتصاد العراقي اقتصادا احياديا، كون ذلك سيجعل منه لقمة سائغة أمام أي تحدي يمكن أن يحدث في السوق العالمية للنفط، فضلا عن حدوث أي مشكلة يمكن أن تهدي بأسعار النفط وبالتالي بالاقتصاد العراقي.
وذو صلة، فقد أخذت كل من العتبة الحسينية المقدسة والعتبة العباسية المقدسة، فضلا عن العلوية المقدسة، ملف الزراعة على محمل الجد، وراحت تؤسس له بمشاريع وبرامج وخطط كبرى، حتى أعلن في كربلاء ولمرات عديدة، اكتفاء كربلاء المقدسة ذاتيا من بعض المحاصيل، وهو ما يؤشر الى أن مشكلة الزراعة في العراق قابلة للحل وأن التعطي مع هذا الملف سهل وميسور إذا ما توفرت الإرادة والهمة والسياسة الحكيمة.
2019-09-25



الحقوق محفوظة لمركز الكفيل للمعلومات و الدراسات الاحصائية