ليبرا... محفظة رقمية تختزل رؤوس الأموال وجيوبها
في عصر التقلبات والتغيرات السريعة التي يشهدها عصرنا الحالي ـ والذي كان للتكنلوجيا الدور الأبرز فيه ـ صار العالم الافتراضي يشغل حيز الحياة أكثر من واقعنا الملموس!!! ومن هذا نجد ان الشركات الصناعية والتكنولوجية وغيرها قد لجأت اليه واستثمرت به بضاعتها، مختزلة بذلك الزمان والمكان.
ولم تفت هذه الثورة، الشركات الرقمية بطبيعة الحال، خصوصا وإنها جعلت من عالمنا الواسع، قرية صغيرة، فتقاربت المسافات، وسُهلت العاملات، واخُتصرت الأزمنة.
ومن تلك المتغيرات، ما طرحته شركة "فيس بوك" ـ وهي شركى رقيمة كبرى تضم قرابة مليارين مستخدم ـ منتصف 2019، بالتعاون مع شركات أخرى، من عملة نقدية رقمية، أطلقت عليها اسم ليبرا (Libra)، مؤسسة بذلك بنية مالية عالمية، لتدعو بعد ذلك كبرى الشركات العالمية للمساهمة في عملته الفتية هذه، وبالفعل؛ استجابت العديد من الشركات لتلك الدعوة، حتى وصلت الى أكثر من (100) شركة.
وقد اتخذت شركة فيس بوك التي تملك صوتاً واحداً في ليبرا، من مبنى سان فرانسيسكو في جنيف / عاصمة سويسرا، مقرا لإدارة عملتها الجديدة، والاشراف على تطويرها، وهذا المبنى له بعد نفسيا وفنيا على الناس، كونه كان في وقت سابق يغطي ثلث احتياطي الذهب للولايات المتحدة الامريكية، ويحافظ الى الآن على هيمنة الدولار الأمريكي.
وقد رصدت مجساتنا، تعاملا محليا في العراق لهذه العملة ـ على قلته وندرته ـ إلا إنه يمكن ان يكون كبيرا في المستقبل، وربما المستقبل القريب، وهو تتمة لما توجه اليه البعض من تعاملات مالية بالبتكوين، فضلا عن التجارة الرقمية التي بدأت تأخذ حيزا في السوق العالمية ومنه العراقية بطبيعة الحال.
والليبرا عملة نقدية لامركزية الكترونية تستخدم لتحريك الأموال، وبإمكان أي شخص تداولها عن طريق تطبيق الكتروني خاص او عن طريق برنامج الماسنجر او برنامج الواتس آب، اذ يمكن من خلال ذلك، اجراء معاملات البيع والشراء مع كل من يتعامل بها، وهي اشبه بالعملة الورقية الا انها عملة الكترونية، وهي بذلك تخضع للصعود والهبوط حالها كحال أي عملة ورقية، مع أن القائمين عليها يؤسسون لبيئة تكون فيها عملتهم أكثر استقراراً؛ بل ويطمحون لأن تكون سلة لعملات عدة.
ويتطلب شراء عملة الليبرا تقديم وثيقة رسمية (جواز سفر، هوية رسمية) وحساب الكتروني، فضلا عن ضرورة الاشتراك بتطبيق كليبرا المستقل (Calibra) ليكون محفظة الكترونية لمن يريد التعامل بها، ويمكن كذلك استخدام تطبيق الماسنجر والواتساب، ويكون شراء العملة وتصريفها عن طريق مكاتب تداول العملات، ومن السهولة ارسال التحويلات المادية لأي شخص في أي مكان، مع إن هذه الطريقة لا تخلو من عيب انتهاك خصوصية لمستخدم، فضلا عما تفرضه عليه من فائدة مرسومة على هذا الشراء.
والغريب في سوق هذه العملة هو عدم وضع معيارا لقياس قيمتها النقدية لحد الآن! فقد تساوي (1) ليبرا (1) دولار، وربما أكثر من ذلك، إضافة الى ان هذه العملة لا تحتوي على الكسور، أي لا يوجد واحد ونصف او ربع ليبرا.
وقد تعرضت هذه العملة الى عدة انتقادات من قبل البنوك والمؤسسات الربحية العالمية، وما زال الجدل قائماً عليها، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الشركات العالمية من الانضمام اليها، وعلى هذا وذاك فإن الشركات ذات الشأن ومنها شركة فيس بوك وشركاؤها، ماضية في مشروعها، وتزمع اطلاقه منتصف عام (2020) م، إلا إن المخاوف من إطلاقها لم يكن خافيا، ومن ذلك حجم الأرباح التي ستجنيها، وكيف انها ستجبر مستخدميها على التسديد؟ فضلا عن التحدي الأكبر في احتمالية أن تكون هذه الشركة أداة للقرصنة المالية.